الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، تركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وأتباعه إلى يوم الدين، وبعــد:
كن متبعًا لا مبتدعًا ولا تحتفل بعيد الميـــــلاد
العيد: اسم جنس يدخل فيه كل يوم أو مكان، وكلمة العيد في اللغة تطلق على كل يوم فيه جمع، وسمي عيداً لعوده مرة بعد مرة.
الأعياد التي جعلها الله لنا أمة الإسلام عيدان فقط، قال صلى الله عليه وسلم وهو ينهى الأنصار عن الاحتفال بعيدهم في الجاهلية:
«إن الله قد أبدلكما خيرًا منها: يوم الأضحى وعيد الفطر»
(رواه أبو داود ح 1134، والنسائي 1556، وأحمد ح 1241).
أدلة تحريم الاحتفال بأعياد الكفار:
جاءت الأدلة الشرعية تحذر من التشبه بالكافرين عموماً، كما حذرت من المشاركة في أعيادهم خصوصاً
ومن الأدلة العامة المحذرة من عموم المشابهة:
- عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً شبراً وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم، قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟» (رواه البخاري ح 3269، ومسلم ح2669).
- قال صلى الله عليه وسلم: «من تشبه بقوم فهو منهم»
(رواه أبو داود ح4031، وأحمد ح5093).
الأعياد من خصائص الأديان:
- جاء في حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«يا أبا بكر إن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا» (رواه مسلم 892، والبخاري 952).
- وفي حديث عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«يوم عرفة ويوم النحر وأيام منى عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب» (رواه أبو داود 2418).
- عن أنس قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، ولهم يومان يلعبون فيها، فقال:
«ما هذا اليومان؟ قالوا: كنا نلعب بهما في الجاهلية فقال رسول الله: إن الله قد أبدلكما خيراً منها: يوم الأضحى وعيد الفطر» (رواه أبو داود ح 1134، والنسائي 1556، وأحمد ح 1241).
علة النهي عن التشبه بالكافرين:
إذ المشابهة ولو في أمور دنيوية تورث المحبة والموالاة قال ابن تيمية: "لو اجتمع رجلان في سفر أو بلد غريب وكانت بينهما مشابهة في العمامة أو الثياب أو الشعر أو المركوب ونحو ذلك لكان بينهما من الائتلاف أكثر مما بين غيرهما، وكذلك تجد أرباب الصناعات الدنيوية يألف بعضهم بعضاً ما لا يألفون غيرهم" فإذا كانت المشابهة في أمور دينية فإن إفضاءها إلى نوع من الموالاة أكثر وأشد، والمحبة لهم تنافي الإيمان.
نصوص الشريعة تأمر بمخالفة الكافرين واجتناب أفعالهم الدينية والدنيوية:
ومن ذلك:
1- قال أبو هريرة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تبع جنازة قال:
«انبسطوا بها ولا تدبّوا دبيب اليهود بجنائزها» (رواه أحمد 8542).
2- جاء في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم»
(رواه مسلم ح 2103، والبخاري 3275).
وفي السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود»
(رواه الترمذي 1752، والنسائي 5073، وأحمد 7492).
قال إسحاق بن إبراهيم النيسابوري سمعت أبا عبد الله (أحمد بن حنبل) يقول لأبي:
يا أبا هاشم أخضب ولو مرة، أحب لك أن تختضب ولا تشبه باليهود.
3- وقال صلى الله عليه وسلم: «خالفوا المشركين: أحفوا الشوارب وأوفوا اللحى»
(رواه البخاري ح 5553، مسلم 259).
قال المروذي: سألت أبا عبد الله (الإمام أحمد) عن حلق القفا فقال:
"هو من فعل المجوس، ومن تشبه بقوم فهو منهم".
4- وقال صلى الله عليه وسلم: «خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم»
(رواه أبو داود ح 652، والحاكم 1/ 260 وقال الذهبي: صحيح).
5- وقال صلى الله عليه وسلم: «فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر»
(رواه مسلم 1096). (وفي رواية أبي داود ح 2343 والحاكم 1/ 431):
«لا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر، لأن اليهود والنصارى يؤخرون».
6- وعن ابن عباس: حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، قال رسول الله: «إذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع» قال: فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم. (رواه مسلم 1134).
وفي مسند أحمد أنه قال صلى الله عليه وسلم: «صوموا يوم عاشوراء وخالفوا فيه اليهود، صوموا قبله يوماً أو بعده يوماً»
(رواه أحمد ح2155).
7- وجاء عن ابن عمر بإسناد صحيح: قال رسول الله أو قال عمر:
«إذا كان لأحدكم ثوبان فليصل فيهما، فإن لم يكن إلا ثوب فليتزر به ولا يشتمل اشتمال اليهود» (رواه أبو داود ح 635).
8- وفي الصحيحين أن معاوية قال على المنبر عام حج وقد تناول قصة من شعر: يا أهل المدينة أين علماؤكم؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن قبل هذه ويقول: «إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذها نساؤهم» (رواه البخاري ح 3468).
وفي رواية لمسلم: أنه رضي الله عنه قال: "إنكم أحدثتم زي سوء وإن نبي الله نهى عن الزور".
وجاء رجل بعصا على رأسها خرقة فقال: معاوية: (ألا وهذا الزور)، قال قتادة: يعني ما يكثر به النساء أشعارهن من الخرق.(رواه مسلم ح2127).
9- ما رواه أبو داود من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تزال أمتي بخير - أو على الفطرة - ما لم يؤخروا المغرب إلى أن تشتبك النجوم)) (1) ورواه ابن ماجه من حديث العباس، (2) ورواه الإمام أحمد من حديث السائب بن يزيد.
وقد جاء مفسراً، تعليله: لا يزالون بخير ما لم يؤخروا المغرب إلى طلوع النجم، مضاهاة لليهودية ويؤخروا الفجر إلى محاق النجوم: مضاهاة للنصرانية.
قال سعيد بن منصور: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الصلت بن بهرام، عن الحارث بن وهب، عن أبي عبد الرحمن الصنابحي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تزال أمتي على مسكة ما لم ينتظروا بالمغرب اشتباك النجوم، مضاهاة لليهودية، ولم ينتظروا بالفجر محاق النجوم، مضاهاة للنصرانية، ولم يكلوا الجنائز إلى أهلها)) (3).
اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية – ص187
ومن مخالفة أهل الكتاب أيضاً الأمر بتعجيل الفطور ... وهذا يدل على أن الفصل بين العبادتين: أمر مقصود للشارع، وقد صرح بذلك - فيما رواه - أبو داود، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر، لأن اليهود والنصارى يؤخرون)) (4)، وهذا نص في أن ظهور الدين الحاصل بتعجيل الفطر لأجل مخالفة اليهود والنصارى.
وإذا كان مخالفتهم سبباً لظهور الدين، فإنما المقصود بإرسال الرسل أن يظهر دين الله على الدين كله، فيكون نفس مخالفتهم من أكبر مقاصد البعثة. اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية – ص187
10- وقد جاء في الحديث: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجلس الرجل في الصلاة وهو معتمد على يده» (رواه أبو داود 992).
وهذا ابن عمر رضي الله عنهما يبين علة ذلك، فقد رأى رجلاً يتكئ على يده اليسرى وهو قاعد في الصلاة فقال له: "لا تجلس هكذا، فإن هكذا يجلس الذين يعذبون" وفي رواية: "تلك صلاة المغضوب عليهم" (رواه أبو داود 994).
11- وعن عائشة رضي الله عنها: "أنها كانت تكره أن يجعل يده في خاصرته وتقول إن اليهود تفعله" (رواه البخاري ح 3458).
12- صلى رسول الله قاعداً والصحابة قياماً فلما سلم قال: «إن كدتم آنفا تفعلون فعل فارس والروم: يقومون على ملوكهم وهو قعود فلا تفعلوا، ائتموا بأئمتكم، إن صلى قائماً فصلوا قياماً، وإن صلى قاعداً فصلوا قعوداً» (رواه مسلم ح 314، وأبو داود ح 606). وفي رواية أخرى لأبي داود: «لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظم بعضها بعضاً» (ح 5230).
13- وقال عمر رضي الله عنه: "كان أهل الجاهلية لا يفيضون من جُمَع حتى تطلع الشمس. ويقولون: أشرق ثبير كيما نغير، قال: فخالفهم النبي صلى الله عليه وسلم وأفاض قبل طلوع الشمس". (رواه البخاري ح 1684).
14- وقال صلى الله عليه وسلم: «لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها، فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة» (البخاري ح 5426، مسلم ح 2067).
15- وعند ابن أبي عاصم بإسناد رجاله ثقات أن معاوية قال:
"إن تسوية القبور من السنة وقد رفعت اليهود والنصارى فلا تشبهوا بهم".
وفي صحيح مسلم أن علياً قال: "أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن لا أدع قبراً مشرفاً إلا سويته ولا تمثالاً إلا طمست
(رواه مسلم ح 969).
16- ولما لقي كروم بن سفيان النبي صلى الله عليه وسلم في الحج قال: يا رسول الله إني نذرت إن ولد لي ولد ذكر أن أنحر على رأس بوانة في عقبة من الثنايا عدة من الغنم،.. فقال رسول الله: «هل بهن من هذه الأوثان شيء؟ قال: لا، قال: فأوف بما نذرت به الله» (رواه أبو داود 3314 وأحمد 26524).
17- وفي الحديث وفيه ضعف عن عبد الله بن عمرو قال: «ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى، فإن تسليم اليهود: الإشارة بالأصابع، وتسليم النصارى: الإشارة بالأكف» (رواه الترمذي ح2695).
متى يباح بعض صور التشبه التي لا علاقة لها في الدين والمعتقد؟
قال ابن تيمية: "لو أن المسلم في دار الحرب أو دار كفر غير حرب لم يكن مأموراً بالمخالفة في الهدي الظاهر لما عليه ذلك من الضرر، بل قد يستحب للرجل أو يجب عليه أن يشاركهم أحياناً في هديهم الظاهر إذا كان في ذلك مصلحة دينية: من دعوتهم إلى الدين والإطلاع على بواطن أمورهم لإخبار المسلمين بذلك أو دفع الضرر عن المسلمين وغير ذلك من المقاصد الصالحة"
(اقتضاء الصراط المستقيم 1/419).
جعلنا الله وإيّاكم ممن يستمعون القول فيتبعون آحسنه، آمين
(1) [1148])) رواه أبو داود (418) , والطبراني (4/ 183) , وأحمد (4/ 147) (17367) , والحاكم (1/ 303) , والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (1/ 370) , من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه, والحديث سكت عنه أبو داود, وقال الحاكم حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وله شاهد صحيح الإسناد, ووافقه الذهبي, وقال ابن عبد الهادي في ((تنقيح تحقيق التعليق)) (1/ 254): [فيه] محمد بن إسحاق صدوق, وقال الشوكاني في ((نيل الأوطار)) (1/ 403): في إسناده محمد بن إسحاق ولكنه صرح بالتحديث, وصححه الألباني في ((صحيح أبي داود)).
(2) [1149])) رواه ابن ماجه (689) , والطبراني في ((الأوسط)) (2/ 214) و ((الصغير)) (1/ 56) , والحاكم (1/ 304) , من حديث العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه, قال النووي في ((المجموع شرح المهذب)) (3/ 35): إسناده جيد, وقال الذهبي في ((سير أعلام النبلاء)) (11/ 142): [فيه] عمر وهو تالف, وصححه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)).
(3) [1150])) رواه أحمد (4/ 349) (19090) , والطبراني (8/ 80) , قال ابن رجب في ((فتح الباري لابن رجب)) (3/ 240): مرسل, وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (1/ 316): رجاله ثقات.
(4) [1151])) رواه أبو داود (1/ 718) , وأحمد (2/ 450) (9809) , والحاكم (1/ 596) , والنسائي في ((السنن الكبرى)) (2/ 253) , والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (4/ 237) , وابن حبان (8/ 273) , وابن أبي شيبة في ((المصنف)) (2/ 277) , والحديث سكت عنه أبو داود, وقال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه, وأشار المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (1/ 151): إلى أن [إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما] , وحسنه الألباني في ((صحيح الجامع)) (7689).
صيد الفوائد
تعليق